أخبار عاجلة
الرئيسية / اخر الاخبار / البطريرك ساكو يوجّه رسالة ثانية إلى الاكليروس الكلداني

البطريرك ساكو يوجّه رسالة ثانية إلى الاكليروس الكلداني


الأب ألبير هشام – مسؤول إعلام البطريركية الكلدانية: بمناسبة مرور عشرة أعوام على رسامته الأسقفية، وتسعة أشهر على تنصيبه بطريركًا على الكنيسة الكلدانية وبمناسبة ختام سنة الإيمان، وجّه غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو اليوم، 31 تشرين الأول 2013، رسالةً ثانية إلى الاكليروس الكلداني التي جاءت مكمّلة للرسالة الأولى التي وجهها غبطته بتاريخ 4 تموز 2013. وتطرق غبطته في هذه الرسالة، وبصورةٍ واقعية، إلى صفات الراعي في الكنيسة الحيّة، ويذكّر الاكليروس، والرهبان والراهبات، برسالتهم السامية التي دعاهم الربّ إليها. وركّز خاصّةً على قيم الصلاة اليومية، الحياة الجماعية، الخدمة المتواضعة، الوضوح والشفافية في التعامل مع الشؤون المالية.

ننشرُ فيما يلي نصّ رسالة غبطته:
رسالة ثانية إلى الاكليروس الكلدانيّ
” كرعاة وخدام ينبغي ان نسير بعزم وقوّة امام “القطيع” ليجد طريقه الى الله وليس خلفه أو الهروب تحت أية ذريعة كانت”
الآباء الأساقفة الأجّلاء
الإخوة الكهنة الأعزاء
الأخوات والإخوة في الرهبانيات المنتمية الى البطريركيّة الكلدانيّة
بمحبة أحييّكم قائلاً: سلامُ المسيح عليكم
استهلال
بمناسبة مرور عشرة أعوام على أسقفيّتي، وتسعة اشهر على بطريركيتي، وبمناسبة قرب ختام سنة الايمان، أود أن أتوجه اليكم مرّةً ثانيةّ بهذه الأفكار النابعة من قلبي. فيها أدعوكم أن تفكروا مليئًا بالمهمة الرائعة التي دعيتم للقيام بها في الكنيسة ومع الكنيسة ومن اجل الكنيسة لتكون واحدة جامعة مقدسة ورسوليّة. تذكروا جيدًا انكم كهنة!
قبل كلِّ شيء أود التوجّه بالشكرالعميق لكلّ شخص تعاون معي وصلّى من اجلي، ومن أجل الكنيسة الكلدانيّة، ومن أجل مسيحيِّ العراق والمنطقة الذين أُمتحنوا أكثر من مرَّة ولا يزالون يُمتحنون. شكرا لكلّ من تفهم شعاري وبرنامج عملي: الاصالة والوحدة والتجدد بالروح والحق وبثقة وفرح. توجيهاتي الرعوية التي حملها شعاري ونداءاتي المتكررة واضحة. واليوم اقول لكم صراحة: لا اخاف احداّ البتةَ، وسابقى اميًنا لرسالتي ومبادئي مهما كانت التحديات والانتقادات، فلا حياة بدون تحديات.
الكنيسة ليست منظمة مجتمع مدني NGO
وهنا أذكركم بقولٍ لللاهوتيّ المعروف رومانو كوارديني: “الكنيسة ليست مؤسسة يُفكر بها وتبنى على طاولة صغيرة. الكنيسة حيّة وتتطور في صيغتها، لكنها تبقى هي، وقلبها هو المسيح“. اذًا هناك علاقة عضوية وجدانيّة مع المسيح وبين اعضاء الجماعة، علاقة لا يمكن ان تنفصم، وان انفصمت ماتت! والكنيسة مسكونيّة بطبيعتها ولها بعد شموليّ. اذا انغلقت على ذاتها فقدت هويتها.
الكنيسة تتجدد وتتطور ككلِّ كيان حيوي! وإن توقفت عن النمو فهذا يعني أن هناك خللاً يجب معرفته ومعالجته!
أتمنى أن تكون هذه المسيرة التي بدأناها قبل تسعة أشهر بصعوبة وبشيء من الألم مثمرةً. أعرف أن رسالتي الأولى كانت صارمة لكنها أتت بثمار ملموسة. ومثال بابا التجدد و”كنس المفسدين”، البابا فرنسيس مفاجاة الله وهبته للكنيسة حافزٌ لنا لنكون اكثر قُرْبًا من الانجيل بالصلاة والعمل الرصين. هو من قال: “شعبي فقير وأنا واحد من هذا الشعب”، هو الذي سكن في شقة بسيطة في بيونس آيرس وكان يحضر طعامه بنفسه ويزور الفقراء ويساعد ويشجع ويرفع من معنويات الناس. أؤكد للكل بهذه المناسبة، اني سأستمر في تحقيق وحدة الكنيسة الكلدانيّة وتعميق الشركة بين أبرشياتنا ورعايانا على قاعدة الحقيقة والعدالة وليس على “القال والقيل”، فيشعر الكلّ بعمق وحدتنا. اني ارافق الكّل بالصلاة والخدمة والاخلاص للرب الذي دعاني لهذه المسؤولية ولانجيله ولعروسه الكنيسة. وسوف أسعى ليتجلى جمالها ومجدها وقداستها. وهذا لا يحصل إلا بالصلاة، فيسوع تجلّى وهو يصلي ( لوقا 9-29)!
الصلاة اليومية والجماعية قوة وتعزية
الصلاة اليوميّة الشخصيّة والجماعيّة خصوصا الليترجيّة – الطقسيّة تحرك وتسند نشاطنا وتعطيه طعمًا وقوّةً، وتُعيدنا دومًا الى النبع والاصل، من دونها سيجفّ قلبنُا ويتحول عملنا الى نشاط اعتيادي. ليترجياتنا إذا تمت بطريقة معدّة ومنظمة تغذي إيمان المؤمنين وتعكس وحدة الكنيسة وهويتها، لذا ينبغي أن ننتبه ألا تكون طريقة احتفالنا بالأسرار نوعا من show” ” فيها حركة وكلام…
أطلب منكم ان تستمروا في الصلاة من أجل هذه المهمة السامية والصعبة لتتواصل مسيرة الرجاء هذه نحو الله بنور الروح القدس، وبتجرد وتواضع ورصانة وفرح.
نحن خدام و لسنا امراء
نحن بعد كل هذا الارث الثقيل والمتشعب امام مفترق: هل نريد اتباع المسيح ام اتباع ذاتنا؟ هل نتخلى حقا عن منفعتنا الشخصية من اجل الخير العام أم لا نزال نريد وضع ذاتنا في الوسط وكأنها أساس كل شيء !
رجل الدين هو رجل الله، يجب ان يكون شخصًا طبيعيًّا وعاديًا وليس شخصًا فوق البشر، بالرغم من ان رسالتَه سماوية! من المهم ان تعكس حياته ايمانه ودعوته وصلاته على من يعيش بينهم! الايمان من دون ان يتجسد في سلوكنا اليومي لا منفعة له.
نداء الانجيل جذري “اترك كل شيء واتبعني”! ويتنافى مع بعض تصرفاتنا اذكر على سبيل المثال: التزمت الاكليريكي –الاكليروسانيّ، استعمال السلطة المفرط، الاهتمام بالشكليات والمظاهر الخارجية، الاستعلاء والوصوليّة وعقليّة البيزنس!.. علينا ان نتحاشى كل هذا لنتمكّن من الذهاب دائمًا الى الامام، الى الابعد والاعمق، الى الاساس والجوهر! علينا ان نكون بكليتنا للمسيح وكنيسته وإلا لا معنى لتكريسنا !
في عظته في 21 نيسان 2013 بمناسبة رسامة بعض كهنة، قال البابا فرنسيس: ” قدروا ان اختياركم قد تمّ من بين البشر لخدمتهم، فمارسوا بفرح ومحبة وباخلاص عميق عمل المسيح الكهنوتي.. كونوا رعاةً لا موظفين، كونوا وسطاء لا سماسرة”!
الخدمة ليست عملاً روتينيًا نقوم به في فراغنا ! الخدمة اساسيّة وجوهريّة في رسالتنا. سلطتنا خدمة ملموسة. ينبغي ان نكون امناء لها ومثابرين عليها بتواضع ورحمة وسخاء وبذل الذات الى اقصى حدّ على مثال المسيح الذي بذل ذاته من اجلنا: “انا أعطيتكم مثالاً لتغسلوا اقدام بعضكم البعض كما انا غسلت اقدامَكم” (يوحنا 13/14-15) و”هكذا ابنُ الانسان جاء لا ليَخدمَهُ الناس، بل ليَخْدِمَهم، ويفدي بحياته كثيرا منهم” (متى 20/28) و “من اراد ان يكون أوًّلَ الناس، فليكن آخرَهم جميعًا وخادمًا لهم” (مرقس 9/35). لقد ردَّ إِلينا قِيَم التضحيَّة من أجل الإنسان وحقوقه وكرامته، لا التضحيّة بالإنسان، كماهو جارٍ حاليًا في منطقتنا المعذّبة. السلطان الحقيقيّ هو خدمة الاكثر حاجة وفقراً وضعفاً، والكرامة الحقيقيّة هي الخدمة و البابا طلب منا ان نخدم ونحن راكعين على ركبتيَنا! علينا ان نحمل افراح شعبنا المتألم وشجونه وآماله في الداخل وفي بلدان الانتشار.
كهنوتنا لا يمنحنا اية مناعة آليّة. سوف نشدد بحزم في التدابير المتعلقة بالاخلاق مهما كانت رتبة الاكليريكي كما تطلب القوانين الكنسية وتعليمات الكرسي الرسولي! نحن خدام ولسنا امراء، نحن رعاة ينبغي ان نسهر على الرعية بحضور دائم وطيبة، ونحملها على اكتافنا ونحميها، ونبقى قريبين من كل الناس وابوابنا مفتوحة لاستقبال الكل ومساعدة الكل ودعمهم والتخفيف عنهم. استقبالنا لهم وطيبتنا تعكس حضور الله ومحبته.
نحن كرعاة وخدام ينبغي ان نسير بعزم وقوّة امام ” القطيع” ليجد طريقه الى الله وليس خلفه، الهروب تحت اية ذريعة يعدّ خيانة وانخذالاً.. لا تتركوا الواقع المحبط احيانًا ينزع فرحكم وحماسكم وخصوصًا رجاءكم، الرجاء الذي يمنحه الرّب. لا يغريكم احد بوعود او باموالٍ، كونوا انتم ذاتكم. صدقكم واستقامتكم ومحبتكم هي تشفع لكم. لا تخافوا من السير بشجاعة وثقة عكس التيار. كونوا شجعان! وليُضيء نوركم وسط الغيوم الكثيرة التي تحاول ان تظّلل كلَّ شيء !
على الرهبان العودة الى ديورهم
على الرهبان المكرسين، الناذرين الفقر والعفة والطاعة العيش في أديرتهم حياة مشتركة، حياة صلاة وتأمل وعمل. الحياة الديرية لا يمكن عيشُها منعزلين. الجماعة تنعش حياتكم وتهبكم نعمة عيش تدبير الله بامانة ودعوتكم بنقاء. هذه الخبرة الجماعيّة للحياة المكرسة هي دوما نور في مسيرة الكنيسة وقوّة لها وتعزية ملموسة. ليس مقبولاً ان نجد هنا وهناك رهبانا تركوا اديرتهم وراحوا يبحثون عن حياة اكثر راحة وحريّة في العمل كخورنة رعايا وينغلقون على صيغة ذاتيّة بعيدة عن الجماعيّة والديريّة. ليعودوا سريعاً الى ديرهم وينضموا الى اخوتهم مهما بدا ذلك صعبًا، وان وجب اسناد رعية ما الى كاهن راهب فليكن معه راهبان. لتكن شهادة حياتكم فرحا وعونا وغذاء لكم ولاخوتكم المؤمنين!!
على الاخوات الراهبات ايضًا ايجاد مرشدين دائميين، من الافضل ان يكونوا من بين الرهبان، من ذوي معرفة عميقة بالحياة الديرّية وحكمة وخبرة روحيّة عالّية. كلنا بحاجة الى المتابعة والتوجيه.
الوضوح في الشؤون المالية
يجب ادارة الشؤون المالية بكل شفافيّة ونزاهة وحكمة لانها تؤمن مصاريف العاملين في الكنيسة ونشاطاتها وصيانة ممتلكاتها. ادارة هذه الاموال تعهد الى اناس مؤمنين نزيهين لهم خبرة في الاقتصاد وليس الى الاسقف او الكاهن. يجب ان يكون في كل ابرشية دائرة مالية تقوم بالتدقيق والكشف اقلّه سنويًا. انا نفسي شكلت لجنة مالية مستقلة وسوف اطالبها بالجرد السنوي للحسابات وسارسله الى كافة الاساقفة. هناك كلام كثير على الاكليريكيين!! فلنتخلى عنها لان لنا عملا آخر أهم.
الختام
نحن في زمن طقسي هو تقديس الكنيسة، انه زمن سهر وصلاة ومراجعة الذات، فلنحافظ على مصابيحنا مشتعلة ولا نستسلم للنوم أو الكسل اوالاحباط بسبب الظروف.. الرب آتٍ! هللويا
فلترافقنا امّنا مريم العذراء وتحرسنا في هذا الوقت الصعب. صلوا من أجلي. آمين
اخوكم
البطريرك لويس روفائيل ساكو
حرر ببغداد في الحادي والثلاثين من شهر تشرين الاول 2013

عن Yousif

شاهد أيضاً

البابا فرنسيس: العالم يسير نحو الهاوية إذا لم تنتهِ الحروب

البابا فرنسيس: العالم يسير نحو الهاوية إذا لم تنتهِ الحروب فاتيكان نيوز :   في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.